قالَ الرّبُّ لأحبّائِه: “أنا
لا أدعوكم بعد عبيدًا، بل أبناءَ الله تدعون” (يو ١٥: ١٥، مز ٨١: ٦)… وقالَ
الرّبُّ أيضًا: “أنا اخترتُكم لستم أنتم الّذين اخترتموني” (يو ١٥: ١٦).
هاتان المقولتان الإنجيليّتان تدلّان على أنّ الرّبَّ أخذَ القرارَ بيدِهِ
بعد أن رفضَ الإنسانُ الإلهَ وسقطَ هو وحوّاءُ من فردوسِ النّعيمِ…
الله خلقَ الإنسانَ، كما
وردَ في سفرِ التّكوينِ على صورتِهِ ليأتيَ هو بذاتِهِ إلى المثالِ… وكانت
هذه المقاسمةُ بين الرّبِّ والإنسانِ عادلةً ومباركةً… ولكن حتّى هذه
القسمةُ والمعادلةُ الإلهيّةُ للإنسانِ، رفضَها الإنسانُ، لأنّه رفضَ الله
بدءًا!!.
الإنسانُ يا بنيّةُ، اتّبعَ خطى ملاكِ النّورِ الّذي أسقطَهُ الرّبُّ من
السّمواتِ،
لأنّه لم يجعلْهُ إلهًا في علوِّهِ هو، بل فضَّلَ أو أَعلى نفسَهُ عليه…
وهكذا، بل لهذا تمتمَ في أُذُنِ الإنسانِ: لماذا تقبلُ بما قسمَهُ الله
لكَ؟!… ثُرْ عليه، فهو خلقَكَ على صورتِهِ ومثالِهِ!!.
بهذه الكلماتِ أو
“الإرشاداتِ الشّيطانيّةِ”، أدخلَ إبليسُ قاتلُ البشريّةِ، أوّلاً “اللّا”
إلى قاموسِ الإنسانيّةِ وثانيًا، فكرَ العقلِ الّذي به بدأ يحلِّلُ أنماطَ
ما يَرى حولَهُ ويُعقلِنُها، حتّى توصَّلَ لأنّ يلغيَ الله ليُجلسَ
الإنسانَ في مكانةِ الإلهِ ويحكمَ هو من خلالِهِ!!.
بدأتْ حكومةُ الإلهِ، ترتّبُ
أوضاعَ الإنسانِ وحياتِهِ، حتّى لا يَسْقُطَ في مرافقِ “الخطيئةِ”، الّتي
تحديدُها، كلُّ عملٍ أو فكرٍ أو قصدٍ يُبعدُ الإنسانَ عن الإلهِ… لكنَّ
الشّيطانَ وقفَ بالمرصادِ لكلِّ عملٍ أو فكرٍ يجعلُ الله يغفرُ للإنسانِ
تفلّتَهُ منه أو ابتعادَهُ عنه… فصرخَ الإلهُ للإنسانِ: “يا بنيَّ أعطني
قلبَكَ”، وذلك بعد أن تمسّكَ الإنسانُ بعقلِهِ، بإختراعاتِهِ الّتي أرادَ
أن يكشفَ فيها ذاتَهُ، مساويًا أو حتّى مُقنِعًا نفسَهُ إنّه أعلى من
الإلهِ…
حتّى القلبُ كُتِبَ عنه في
العهدِ القديمِ في سفر إرميا “هذا القلبُ نجيسٌ من يعرفُهُ” (إر ١٧: ٩).
كلُّ هذه الإنباءاتِ الإلهيّةِ للإنسانِ، جعلَتْ نفسَ الإنسانِ تنقسمُ
أمامَهُ، فصارَ يتخبّطُ ليتبنّى لنفسِهِ نمطًا يحيا فيه أو من خلالِهِ…
وتكاثرَتِ الفلسفاتُ والعلومُ والاختراعاتُ والدّياناتُ، وكلُّ ما أوصلَ
فيه الإنسانُ نفسَهُ إلى الخرابِ فقالَ الله الآبُ… أُرسلُ ابني الوحيدَ
الّذي به سُرِرْتُ، لأُعلِّمَ به البشرّيةَ التّوبةَ…
وكان التّجسّدُ الإلهيُّ…
فوُلدَ الرّبُّ الإلهُ ابنُ الملكِ وسُميَ الطّفلُ “عِمّانوئيلَ” أي الله
معنا!!. ونعمتِ البشريّةُ بفتراتٍ من السّلامِ والطمأنينةِ والفرحِ ممّا
أعادَ وأزكى غضبَ الشّرّيرِ على الإنسانِ وعلى خالقِهِ الله الآبِ والابنِ
يسوعَ المسيحِ!!…
هكذا حرّضَ الشّيطانُ نفوسَ
حسّادِ المسيحِ فتآمروا عليه وأسلموه حسدًا… فصلبوه بعد محاكمتِهِ
والتنكيلِ به، ظانّين أنّهم هكذا يرتاحون من اقتدارِ فعلِ الإلهِ… لكنّ
الله أرى الإنسانَ أنّ هذه هي وحدَها “طريقُ التألّهِ”… فصارَ على كلِّ من
يطلبُ وجهَ الإلهِ ليصيرَ بالحقيقةِ على صورتِهِ ومثالِهِ، أن يحيا مطابقًا
الوصايا الإنجيليّةِ على حياتِهِ حتّى يبلغَ التّألّهَ من إلهِهِ…
قالَ الرّبُّ: “تعلّموا منّي فإنّي وديعٌ ومتواضعُ القلبِ تجدوا راحةً لنفوسِكم” (مت ١١: ٢٩).
هذا، يا بنيّةُ، هو طريقُ
التّألّهِ الوحيدِ للإنسانِ بعد خيانتِهِ لإلهِهِ وتركِهِ إيّاهُ، ليقعَ في
فمِ التّنّينِ الّذي يودُّ، بل يعدُّ ليبتلعَ كلَّ إنسانٍ مولودٍ للإلهِ،
على صورتِهِ ومثالِهِ…
وأختمُ القولَ إنّه مهما
تكاثرَتِ الطّرقُ الّتي يحاولُ الإنسانُ السّيرَ عليها، فإنّه لن يصلَ إلى
التّألّهِ ليعودَ إلى صورتِهِ الأولى، إلّا باتّباعِ الطّريقِ الّتي سارَ
عليها الرّبُّ يسوعُ في حياتِهِ على الأرضِ، الموديَةِ به إلى الصّليبِ،
ثمّ القيامةِ.
الأمّ مريم
Δεν υπάρχουν σχόλια:
Δημοσίευση σχολίου